العيد، ما العيد؟ و ما أدراك ما العيد؟ يا آنسين بالعيد، و يا فرِحين به، كان العيد في الماضي يوم فرح و بهجة، يوم السرور و يوم طفح البشر على محيّانا، لكنني لا أرى في الأعياد التي نتحفل بها اليوم السرور و الفرح الذي كان بها في الماضي، أتذكّر أعيادي في الهند، و أتذكّر كم بي من فرح لقدومه ، كأن ضيفاً جميلاً نزل بنا ، وأتانا بهدايا و تحف ثمينة.
يا سادة! العيد الذي أتذكّر هو العيد الوحيد الجدير بالذكر ، لا هذه الأعياد التي نتحفّل بها اليوم، على الرغم من أنني قد جُلت البلاد ، و رأيت العيد في السعودية، ، و في تركيا، و في بريطانيا ، لكنني لم أشعر بالبهجة التي كنت أشعر بها في الهند.
أتغيرت الدنيا أم فقدنا فرحة العيش؟
كنا نستيقظ مبكّراً ونغتسل و نلبس الملابس الزاهية، و نتناول الفطور و نذهب سرعاناً إلى الطرق ، و إذا الوجوه باسمات الثغور، منبسطة كأنما أصحابها لبسوا مع الملابس الزاهية البراقة حلّة من اللطف و البساطة، و حينما نأتي إلى مصلى العيد في ضواحي القرية ، إذ المصلى مليئ بالناس مُدّ البصر ، و صوت التكبير ينبعث قوياً مجلجلاً ، و هذا اليوم كان أول يوم شعرتُ بالحماسة التي تغلي منها دماء المسلم حينما يسمع ذلك النشيد السماوي ((الله أكبر)) – ذلك الصوت الذي فتح به الجيل الأول فتداعت أمامهم حصون القيصر و الكسرى، أين ذهبت هذه الأيام؟ و أين أعيادنا نحن؟
بعد الصلاة كنا نذهب إلى المقبرة القاسمية، نتذكر أجدادنا و أسلافنا الذين مضوا من قبل، و كأن الحياة الباسمة تزاحم الموت العابس، و أن حياتنا الضاحكة عاجلة، ليس لها بقاء و لا خلود، و كأن حلم الحياة قد أرخت الستار على أعيننا و المقبرة أهبطتنا في الواقع.
يا سادة! أين هذه العربات الصغار مزيّنات بالأعلام الملوّنة ، أين الأطفال بثيابهم الفاخرة؟ أين النساء بثيابهن الباهرة و أيديهن الملونة بالحناء؟ و أين الرجال يقسمون الجنيهات على الصغار؟
أيها السادة ، صرنا اليوم نأكل بالشوكة و السكين، و ننام على سرر مرفوعة، و نقرأ الجرائد و الصحف بأخبار أمريكا و روسيا و أوكرانيا، و نركب السيارة و الطيارة، و نشاهد التلفاز و السينما ، و نجول عبر النت على شاشة الحاسوب نتواصل بكل من هبّ و دبّ، ما ربحنا، و الله ما ربحنا، بل خسرنا العفاف و السذاجة و الاطمئنان ، أجدادنا في أيامهم كانوا أطهر قلوباً ، أقوم أخلاقاً ، و أصدق معاملةً، و إن كنتم لا تشعرون بهذه الخسارة فقد ذهبت الغطرسة الحضارية بأبصاركم.
يا سادة ! هذه هي السذاجة التي فقدناها اليوم ، أيام كانت الأعياد أعياداً، فارجعوني، فارجعوني، فارجعوني.
عفواً يا سادتي ، فقد نسيت قواعد الآداب الاجتماعية و كدرت يوم الصفاء….لا تلوموني و لا تؤاخذوني فإني فاسد الذوق سيئ الاختيار، قوموا إلى عيدكم و سروركم و و دعوني أبكي من ذكرى حبيب و منزل.
كل عام و أنتم بخير