Ramadan The Healer (Arabic)

شهر رمضان المبارك

بقدر ما أكره  الاعتراف به ،أني لم أكن أتطلع إلى قدوم رمضان هذا العام، و كنتُ أتمنّى تأجيل مجيئه. لقد كنتُ غارقًا في مشاغل الحياة الدنيوية السمّيّة، لم أشعر بالاستعداد، و لم أشعر أني أعددتُ ما يكفي، فبينما كان الآخرون يعدّون الأيّام و الساعات حتى يكرمهم هذا الضيف المبارك بحضوره، شعرتُ كما لو أن لساني كان كاذبًا في ما يقول، و قلبي خاليًا عن أيّ تمنٍّ، وكان هذا القذى في جفني مدّ الطول

لكن رحمة هذا الشهر لا تستثني أحدًا، حتى المُذنِبين مثلي، فمع أفول الشمس حينما رُئِي الهلال، تبدّل الجوّ عاطرًا طاهرًا، شعرتُ بحلّ عقدةٍ في روحي، كأن أحدًا تنفّس الهواء النقي الصافي في رئتي المضطربة، كما لو أن روحي تمدّ يدها إلى كلّ ما هي محرومةً منه في الأشهر الماضية، كانت عطشانةً و لم تشعر، كانت جائعةً و لم تحسّ، كأنها تستخدم المخدّرات. لكن مع بدء هذه الأحاسيس و المشاعر شيئًا فشيئًا، كانت روحي تحاول الوصول إلى ما كانت تعرف أنها بحاجة إليها ، مثل الفقير الذي يمدّ يده في عطش شديد لرشفةٍ واحدة من ماء. ربما تعرف أرواحنا أحيانًا ما لا تستطيع أجسادنا فهمَه أبدًا

وهكذا في تلك اللّيلة المباركة مع مرور كلّ لحظة، شعرتُ أن العقدة التي حرّمتني الوجدان الروحي تحلّ و تتفكّك ببطء…و بينما كنتُ واقفًا في صلاة التراويح بين الأجانب تمامًا، غمرني شعور تغلغل في أحشائي و تمكّن في نفسي: نحن كلّنا هنا على استعداد مع عدم استعدادنا،و مع توقع أنه سوف يُصلَح ما انكسر بداخلنا

بدأ الإمام يقرأ الكتاب العزيز في الصلاة، الكتاب الذي حمَلَه المسلمون في فتوحهم الأولى، تلك الرسالة القوية الواضحة المشرقة، فأخذتْني الأفكارُ تطير بي، فالفاتحة التي سمعتُها من صوت الإمام كانت غير الفاتحة التي حفظتُها عن ظهر قلبي في صِغَري، نعم، آياتها كآيتها، و نظمها كنظمها، لكن معانيها كانت غير معانيها التي تعوّدتُ ذكرها. فغشيني موج كموج البحر فبدأتُ أغوط في هذه البحار العميقة

ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ. هو الذي يسمعني حتى و أنا صامت، الرب الذي يغذيني دائمًا، الذي أنبتني نباتًا حسنًا، و أنشأني نشأةً طيّبة، له الحمد و له الجزيل الثناء

ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ : هو الرب الذي يحتضني كطفل، يغلفني رحمته التي وسعتْ كلّ شئي

مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ: هو الذي سأعود إليه

إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: لا أهِمّ و لا أهتمّ  بأيّ شيءٍ أو أيّ شخصٍ آخر… كل ما يُهِمّني هو أنا وهو فقط

 ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ: أرشدني إلى ما يرضيك يا مقلّبَ القلوب! حوّلني إلى طريقك، وعلى الرغم من أنني قد أتركك مرارًا وتكرارًا ، فلا تتركني أبدًا. لا تكلني إلى لنفسي طرفةَ عين

وهكذا تردّد صدى كل آية حولي. كلمات ربي كانت تعني بي غير مستحق، و شعرتُ بأن الأغلال التي ربطتُّها على قلبي تتراخى، و كلّ آية أسمعها تفيضُ بالبهجة، وتموجُ بالنشوة، و تتفتح بالحياة الروحية

لا يمكنني أبدًا أن أكون مستعدًّا تمامًا للرحمة التي ينزلها عليّ ربّي، سأصِلُ دائمًا مجرّدًا ومهملًا، لكنه يراني، ويسمعني، و يعرفني حقّ المعرفة. إنه يعلم أنني سأحتاج إلى أن آتيه كل عام وأفتح جراحي. و كل عام مع تقدّم حياتي ونموها ، ستكون جراحي مختلفة ولكن الشفاء الذي أتوق إليه سيكون دائمًا كما هو، وحيدة، منفردة، طازجة كما قال ﷻ: وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين

هذا رمضان! ربّنا يجعل لنا نجد كل شفاءنا فيه

شهزاد خان

 
 

 
 
 
  

Advertisement

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.