الأدب العربي لماذا؟
أعشق الأدب. لا أقصد الأدب العربي فقط بل إنّ قلبي قد شُغِفَ حبّاً بأدب اللغة العربية و الإنكليزية و الأردية جميعاً. منذ نعومة أظفاري كنتُ أحبّ أن أقرأ القصص و الحكايات بهذه اللغات الثلاثة و كلّما ترقَّيت في العمر كنتُ أغُوطُ غوطاً عميقاً أكثر تعمّقاً من الماضي في بحار أدب اللغات الثلاثة، حتّى أصبحتْ هوايتي الخاصة قراءة الكتب أو اشتراء الكتب على الرغم من كوني في الأربعينيات من عمري، و على الرغم من المسؤوليات التي نِيطَت بي. هل هذه حماقة؟ لو سألتَ زوجتي الكريمة لأجابتْ بدون أي تأمّل: “إي والله إنها لَحماقة!”. لكنّ قولَها هذا يتعلّق بالعلاقة التي بيننا كزوجٍ و زوجةٍ ، و لا يتعلّق بالجنون الذي جُنِنتُ به.
فأكرّر السؤال العنواني لماذا الأدب؟ و لماذا الأدب العربي خاصّةً؟
تاريخ الأمم يُبدي لنا أن أدب أي لغة يتحمّل في قعرمفرداتها و تعبيراتها ومعانيها الثقافة التي بُنِيتْ اللغة عليها ، و يربط الجيل الحاضر بالجيل الماضي ، و يصل الخلف بسلفه، و يضئ الطرق و المسالك التي التمسها و سلك عليها الأسلاف، لِيقتبس الخلف في ضوئها ما هو بصددها، لِيعلم أخطاء الماضي ليتجنّبها، وسواءَ السبيل لِيسلُكَها. فالأدب إذاً لُبّ التجرّبات الماضية و يتضمّن في مضامينه أحاسيس الأسلاف و انفعالاتهم و مشاعرهم في الكلام المنثور و المنظوم. فالأدب إذاً يثقّف الإنسان و يهذّبه.
و من ناحية أخرى الأدب يعطي المشتغل به التمييز بين حسن الكلام و قبيحه، و بين الطيِّب و الرذِيل، و بين الفصيح و غير الفصيح. و يعطيه أيضاً مَلَكةٌ الإبانة عمّا في صدره بقول حسن سديد ، فكم من فِتنٍ ثارتْ ، و كم من حربٍ قامتْ ، لأجل كلمةٍ أو بيتِ شعرٍ، فلذا أمر الله جلّ سبحانه : “و قولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم”.
بل الأدب بهذا المعنى أعمّ فائدةّ من التاريخ العام ، و أشدّ تأثيراً منه ، لأن تأثير الكلام يقع دائماً على القلب، كما قال الرسول ﷺ: “إن من البيان لسحرًا” . و التاريخ العام فقط الأعمال المحدودة الموقّتة، لا يُثِير بها أيّ نقعٍ.
و اللغة العربية مليئة بهذه الثروة الثقافية في كلامها ، نظمها و نثرها ، حتى في عصرها الجاهلي فضلأ عن عصورها الإسلامية، و هناك نماذج عديدة في شِعر الشُعَراء الجاهليين و خطبهم ما يدلّ على ذلك، مثل كلام حاتم الطائي ، و زهير بن أبي سلمى، و النابغة الذبياني ، و حسّان بن ثابت، و قد روي عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه قال: “محاسن الشعر تدلّ على مكارم الأخلاق و تنهى عن مساويه”، و كان يفضّل زهير بن أبي سلمى و يقول: “إنه يتعفّف”. و أمّا شعر الشهوة و المجنّة فهي قليلة بالنسبة إلى هذا و يرجع معظمها إلى مزاج الشاعرخاصةً ، لا مذاق البيئة عامّةً.
العهد الجاهلي يشتمل على كثير من هذه الثقافة ، و يصرف الدارس له إلى مسؤوليات الحياة ، و مواجهة الشدائد و تحمّلها و الصبر عليها ، و خدمة الإنسان ، و الجود و السخاء مع ما فيه من الفصاحة و البلاغة. فكيف بالأدب العربي الإسلامي الذي تأثّر بالقرآن العظيم في عهوده المختلفة ؟
نَجِد العلماء في العصور الإسلامية حتى السلاطين و الأمراء في تلك العهود، كان يتغلغل في قلوبهم الحميّة الدينية، و كان الشعراء و الأدباء ينساقون معهم في هذا الإطار، و يسلكون السُّبُل التي تناسب مع متطلّبات عصرهم.
و في الختام أقول إني أحبّ الأدب لأنه يثقّف القلب و القوالب و يهذّب الجنان و الجوارح.
شهزاد خان